Title sheet 3.png

 

 

الأخوان رحبانى

من أعلام الموسيقى العربية المعاصرة ، لعبا دورا هاما فى تحديث الأداء الغنائى العربى وارتبط اسمهما باسم المطربة فيروز منذ اللقاء بها فى أوائل الخمسينات ولأكثر من ثلاثة عقود

ويرجع نجاحهما إلى

تقديم صوت فيروز فى أبهى صورة

لا شك أن صوت فيروز الباهر قد ساهم كثيرا فى إنجاح أعمال الأخوين رحبانى ، وقد تظهر أهميته إذا تصورنا أداء غير فيروز لتلك الأعمال ، وقد فهم الاثنان شخصية فيروز وأسلوب أدائها تماما ، وكان لهما الفضل فى تطوير ذلك الأداء حسب متطلبات العمل الفنى

استخدام أصول الفنون الشعبية

من أهم أسباب نجاح الأخوين ثباتهما على الجذور الشعبية للفن العربى ، وقد تنوعت صور الفن الشعبى فى أعمالهما بين الإيقاعات الشرقية والجمل المستوحاة من فنون الشام القديمة ورقصة الدبكة

جودة المحتوى النصى

سئل الأخوان عن ألأهمية النسبية لعناصر الأغنية الرئيسية الثلاث الكلمة واللحن والأداء فأعطيا دور الكلمة 70% من مكونات اللحن ، وهذا يعنى الاعتماد أولا وأساسا على المضمون النصى  مما يوحى باهتمامهم بالتعبير كهدف رئيسى للعمل الفنى الموسيقى ، كما يظهر حرصهما على ارتفاع مستواه

الدقة فى صياغة الألحان

بينما يلجأ كثير من الملحنين إلى صياغة ألحانهم بطريقة المونو فون ، وترك مهمة التوزيع الآلى لقائد الفرقة قام الأخوان بتوزيع ألحانهما ، وتمتعا بحس فنى عال مكنهما من اختيار الآلات التى تعبر عن كل فقرة أفضل تعبير ، وقد أكثرا من استخدام آلتى البيانو والأبوا الغربيتين فى مقامهما المناسب تماما ، ونجحا فى التعبير بهاتين الآلتين عن جمل موسيقية غاية فى الشرقية ، كما اتسم استخدامهما لآلات الإيقاع بالضبط الدقيق وانعدام الفوضوية

استخدام الأوركسترا الحديث

عمل الأخوان رحبانى بجد فى مجال ضبط المواصفات الفنية ، ولا شك أن دراستهما للموسيقى الغربية قد أفادتهما كثيرا ومكنتهما من الإشراف على دقائق العمل الفنى مما أدخله فى سيطرتهما الكاملة ، واهتما بتوفير نوعيات عالية من الآلات والعازفين واستديوهات التسجيل أيضا ، وقد تمتع الاثنان بطموح كبير لتطوير الأداء الموسيقى والاتجاه به نحو تحقيق علمية مفقودة وعالمية منشودة

البدايـــات

ولد عاصى ومنصور رحبانى فى قرية صغيرة بالقرب من بيروت لأب من هواة الموسيقى كان يعزف على آلة البزق التركية الأصل موسيقى سيد درويش ومحمد القصبجى ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من فنانى الشرق الذين ذاعت ألحانهم فى عشرينات وثلاثينات القرن العشرين

التحق عاصى ومنصور وهم فى سن المدرسة بفرقة موسيقية كنائسية ، وفى مقتبل العمر حاول الأخوان السير فى طريق الفن لكنهما اضطرا للعمل فى شرطة العاصمة كشرطيين (!) ثم بعد سنوات وفقا للالتحاق بأكاديمية الفنون اللبنانية فدرسا الموسيقى الغربية ، وفى نفس الوقت قاما بالتدرب على فنون الموسيقى الشرقية

بعد تخرجهما قام الأخوان بالاشتراك فى إعداد برنامج إذاعى قدما من خلاله حلقات من الاسكتشات المغناة لفتت الانتباه إليهما ، وهو البرنامج الذى شهد لقاءهما بفيروز للمرة الأولى عندما قدمها إليهما الفنان حليم الرومى مدير الإذاعة اللبنانية كصوت واعد

 

أعمال الرحبانية

للرحبانية أعمال كثيرة تعد بالمئات والغالبية العظمى منها من غناء فيروز ، وقد اهتم الأخوان بتقديم تلك الأعمال مباشرة على المسرح فى قالب من نوع المسرحيات الغنائية ، ولهما أيضا بعض الأعمال التى أعادت تقديم التراث الموسيقى العربى مثل الموشحات الأندلسية والقصائد القديمة وبعض أعمال سيد درويش ومحمد عبد الوهاب

أشهر ألحان الرحبانية لفيروز

شتى يا دنيا

شط اسكندرية

أجراس العودة

أيام الصيفية

حبيتك بالصيف (مقتبس)

مرسال المراسيل

زهرة المدائن

حنا السكران

ليالى الشمال

يا أنا يا أنا (مقتبس)

باكتب اسمك

نسم علينا الهوى

يا دارة دورى

طير الوروار

كانوا يا حبيبى (مقتبس)

 

مسرحيات الرحبانى الغنائية

جســر القمــر

الشـــــــخص

ناطورة المفاتيح

الليـل والقنديل

جبال الصوان

المحطة

بياع الخـــواتم

يعيش يعيــش

ميس الريم

أيام فخر الدين

صح النـــــوم

لولـــــو

هــــالة والملك

ناس من ورق

بتـــــرا

 

الاتجاهات الموسيقية

للرحبانية عدة اتجاهات واضحة فى الموسيقى نذكر منها

الاهتمام بجذور الموسيقى الشرقية

ليس فقط بإعادة تقديم التراث ولكن المتأمل للألحان الرحبانية يجد فيها روح الفن الشرقى الأصيل كما يجد آثارا من أساليب الموشحات والقدود الحلبية والقصيدة والموال والطقطوقة والمونولوج مع تحديث الأداء الموسيقى لهذه الألوان لتبدو فى ثوب عصرى

التأثر بالأساليب الموسيقية الغربية

استمع الرحبانية إلى الكثير من موسيقى الغرب قديمها وحديثها ، وظهر فى أعمالهما إيقاعات غربية وجمل لحنية مستمدة من الموسيقى الكلاسيكية والأوربية الشعبية ، ومن إيجابيات ذلك التأثر الاحتفاظ بمستوى عال من الأداء للفرق الموسيقية المصاحبة لأعمالهما والاهتمام بإدخال التوزيع الموسيقى كلما أمكن ، ورغم التأثر بالغرب لم تفقد الموسيقى الرحبانية روح الميلودية الشرقية فحافظت بالتالى على جمهورها العربى

الاهتمام بالعرض المسرحى

لاقت تجربة الرحبانية فى المسرح رواجا كبيرا لاهتمامها بتحريك الصورة الموسيقية وإضافة البعد الدرامى للأعمال الموسيقية مما زاد من اتساع جمهورها ، وقد ذاعت ألحان العروض المسرحية فى العالم العربى كألبومات موسيقية بصوت فيروز بكل منها مجموعة ألحان تحت اسم المسرحية التى قدمتها ، وبينما لم تسنح الفرصة للمشاهد العربى فى مختلف البلاد العربية مشاهدة تلك المسرحيات فقد استمع بإقبال شديد إلى ألحان الثنائى الرحبانى التى قدمتها فيروز ووجد فيها مادة فنية عالية المستوى وشديدة الجاذبية

ونجح الأخوان فى تقديم لون من الغناء الأوبرالى فى المسرحيات الأخيرة مثل لولو وبترا خاصة فى الألحان الجماعية بمصاحبة صوت فيروز ، وربما كان هذا النموذج من أقوى ما قدم الرحبانية على الإطلاق حيث اكتملت لهما فيها الخبرة الموسيقية المسرحية ولا يمكن إغفال جهدهما فى هذا المجال ، وهى بلا شك خطوة ممتازة على طريق تطوير المسرح الغنائى العربى الذى شهد انتكاسات مطردة بعد وفاة سيد درويش

 

نقــد الأخوين رحبانى

رغم الجهد الكبير الذى قام به الأخوان فى ميدان الموسيقى العربية فقد وجهت إليهما بعض الانتقادات أهمها:

الاقتصار على صوت فيروز

رغم قيام الرحبانية بالتلحين لغير فيروز إلا أن صوت فيروز ظل هو الواجهة الرئيسية لأعمالهما ، كما أن معظم ألحانهما لغير فيروز جاءت فى سياق العرض المسرحى أو الاسكتشات المغناة والتى تتطلب بالضرورة وضع ألحان للشخصيات الأخرى المشتركة فى العرض ، وفى كل مسرحيات فيروز كانت لها البطولة المطلقة وبالتالى ذروة الألحان ، ويمكن استنتاج أن الرحبانية اكتفيا بصوت فيروز طالما قد حقق لهما النجاح المضمون

 

عدم اكتمال التجانس المسرحى

جاءت مسرحيات فيروز ، وهى ما يمثل النسبة الكبرى من أعمال الرحبانية كألبومات غنائية أكثر منها أوبريتات ، ورغم ارتباط الأغانى بالعرض المسرحى قل الارتباط الدرامى بين المواد المغناة مما أدى إلى تفكيك الفقرات الغنائية ، زاد من ذلك التباعد بين الخطوط اللحنية الأساسية لتلك المواد ، فقد يأتى لحن غربى الهوية والمذاق يتبعه موال ثم لحن شعبى ثم فاصل موسيقى مرح ثم موشح قديم او قصيدة ، وهذا النقد يوجه أساسا إلى العمل باعتباره عملا مسرحيا ، ولهذه الأسباب يصعب نقد تلك المسرحيات فنيا على أساس مسرحى ، وتكون المهمة أسهل بكثير لو نظر إلى الألحان منفردة

 

معالجة التراث

ردد الأخوان فى معرض الحديث عن إنجازاتهما أنهما قد أعادا تقديم التراث الموسيقى العربى بمصاحبة الأوركسترا الحديث مع إضافة عنصر التوزيع الموسيقى إلى تلك الأعمال ، وإذا نظرنا إلى أعمالهما فى هذا الميدان نجدها احتوت على بعض العناصر الجديدة

أولا : إضافة لزم موسيقية كمقدمات أو نهايات

ثانيا إضافة التوزيع الموسيقى لبعض الأعمال

ثالثا تغيير الكلمات

غير أن تقييم نتائج هذه التجارب شيء آخر

أولا : إضافة اللزم الموسيقية

إضافة اللزم الموسيقية إلى اللحن الأصلى ليس فى الحقيقة شيئا إيجابيا حيث أن الإضافة تبعد العمل عن الأصل ، وهذه النقطة بالذات محل جدل كبير فى الموسيقى العربية ، وهى غير واردة فى الموسيقى الغربية ، وعندما تقدم الفرق الأوربية التراث الغربى لا تضيف إليه جملا جديدة من عندها وغاية ما تفعله هو تطوير أسلوب الأداء ، ونقد مسألة الإضافة يتركز فى كون الإضافة عملية قد يصادفها أو يجانبها التوفيق ، كما أنها يمكن أن تؤدى بمرور الوقت إلى ضياع معالم الألحان الأصلية وهذه نتيجة غير مطلوبة فى التعامل مع التراث ، وهناك بعض الأسئلة اتى أثيرت حول هذا الموضوع منها:

هل يقبل الرحبانية إعادة تقديم أعمالهم مع إضافة مقاطع جديدة إلى تلك الأعمال التى بذل جهد كبير من أجل ضبطها وبدقة عالية

هل كان من الممكن أن يصل إلينا التراث الأصلى بعد تعرضه للإضافات كلما أراد أحد ذلك؟

هل يمكن تصور على سبيل المقارنة إعادة تقديم كتب التراث العربى بعد إضافة مقاطع جديدة إليها؟

ثانيا إضافة التوزيع الموسيقى لبعض الأعمال

إن التوزيع الموسيقى للألحان الشرقية ليس بالمهمة السهلة ، إذ أنه لم توضع بعد أية مواصفات علمية للهارمونى الشرقى سواء فى تكوين التآلفات النغمية أو فى التوزيع الكونترابونتى ، ولذلك لم يستطع الأخوان كتابة توزيع يذكر للموشحات التى أعيد تقديمها وقدمت كما هى بأسلوب المونو فون

ثالثا تغيير الكلمات

تعرضت مسالة تغيير الكلمات فى تجارب الأخوين مع التراث الشرقى لأكثر النقد حيث أنها أوضح ما يمكن ملاحظته ، والسؤال المثار هنا هو هل يجوز مثلا إعادة تقديم الشعر الجاهلى أو الأموى أو العباسى بعد تغيير كلماته؟ من الواضح خطأ مثل ذلك المدخل للتعامل مع أية مادة تراثية ولا يعرف لماذا أصر الرحبانية على ذلك

رابعا: الاقتباس وتعريب الأعمال الغربية

لهذه التجربة الرحبانية عدة أوجه سبق الإشارة إليها فى معرض الحديث عن فن فيروز ، وهى تجربة لها إيجابياتها وسلبياتها

 

ورغم هذه الانتقادات يعد الأخوين رحبانى من أفضل الموسيقيين العرب وتظل لهما بصمة مميزة على طريق التميز والفن الجاد والذوق الراقى